رابعا: الثوابت والمتغيرات القائمة فى حياتنا وأثرها فى تحديد الاطار الفكرى والسياسى للحزب الجديد:

ان بلادنا ترزح وطأة الكثير من المشكلات الثقيلة الجاثمة فى مختلف نواحى حياتنا، وهى مشكلات تبلغ من تعددها وتفاقهما وتشابكها حد الأزمة العامة، والتى تبدو معالمها وملامحها واضحة كل الوضوح فى مختلف نواحى حياتنا السياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، بحيث لا يستطيع إلا مكابر، أن ينكرها أو يقلل من خطرها، ورغم أننا لا ننكر، ولا ينبغى أن ننكر أى جهد مخلص قد بذل أو يبذل للتغلب على هذه المشكلات، الا أنه يتعين علينا أن نقرر أن السياسات المرتجلة، والحلول الجزئية والسطحية، لن تجدى فتيلا فى مواجهة هذه الأزمة أو فى حل تلك المشكلات، وأنه لابد من مواجهتها بحلول جذرية حاسمة وشاملة، وبسياسات صحيحة تعالج الأسس وتصحح المسار.
لقد آن الأوان لكى تخرج بلادنا من دوامة الارتجال، وأن تتخلص من منهج (التجربة والخطأ)، وأن تنتهج سياسة اصلاحية شاملة، تقوم على مرتكزات فكرية واضحة وصحيحة وعلى الالتزام بالمنهج العلمى السليم فى التشخيص والتخطيط والتنفيذ، وعلى اطلاق القدرات الكامنة لدى جماهير شعبنا، وكل حماسها ومبادراتها الخلاقة، للمشاركة الفعالة فى حركة التغيير والتصحيح، وبما يمثل انبعاثا جديدا للروح الوطنية، ولارادة النضال من أجل حياة حرة كريمة، ومن أجل تأمين مستقبل واعد للأجيال القادمة.
ولن يكون ذلك ممكنا، الا بسياسة تقوم على استيعاب كامل لتجارب ودروس النضال المصرى على مدى تاريخنا الحديث من ناحية، وعلى قراءة واعية وصحيحة للمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية من ناحية أخرى، دون تقليل أو تهوين منها ودون الوقوع فريسة لما يصاحبها من عمليات التهويل أو التضليل، إخفاءً لما يتستر بها من الأغراض والمصالح الداخلية أو الخارجية.
* لقد خاضت مصر طوال تاريخها الحديث، وعلى مدى قرنين من الزمان، نضالا متواصلا من أجل تحقيق نهضتها، وبذلت فى ذلك أغلى التضحيات من جهد أبنائها ودمائهم وأموالهم، وخلال هذا النضال الطويل، تبلورت وتأكدت الأهداف الأساسية لنضال شعبنا، وتغلغلت فى عقول وقلوب أبنائه وبناته، بحيث أصبحت تمثل أساسا صلبا لعقيدته الوطنية.
لقد ناضل شعبنا على مدى تاريخنا الحديث، تحت راية الوطنية، من أجل تحقيق وحماية استقلاله الوطنى، وكرامته الوطنية، وتحرير ارادته الوطنية، والحفاظ على وحدة أراضية، وتحقيق سيادته عليها، وفى سبيل ذلك قاوم الاحتلال الفرنسى وثار عليه، وقاوم الاحتلال والتبعية للاستعمار العثمانى، كما قاوم الاحتلال والسيطرة البريطانية، وبذل أغلى التضحيات للتحرر منهما.
وخاض شعبنا نضالا لا هوادة فيه ضد الاستعمار الجديد، المتمثل أساسا فى محاولات فرض الهيمنه الأمريكية، السياسية والأقتصادية والعسكرية، من خلال الأحلاف العسكرية، والتغلغل الاقتصادى، والثقافى، وترسخت لدى شعبنا من ذلك كله خبرة تاريخية عميقة، تجعله شديد التمسك باستقلاله الوطنى، والحرص عليه، والايمان بأن صيانة هذا الاستقلاق هى نقطة الارتكاز لتحقيق أى تقدم أو أصلاح فى كافة نواحى حياته.
* وناضل شعبنا نضالا لا هوادة فيه ضد الأستبداد ومن أجل اقامة نظام الحكم على أساس الديمقراطية ووفقا للارادة الشعبية، وكفالة الحقوق والحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، ومن أجل ذلك قاوم شعبنا النظام الاستبدادى الذى كانت تفرضه تركيا على مصر، ومن أجل ذلك قامت الثورة العرابية، كما قامت ثورة 1919 التى جعلت من اقامة النظام الديمقراطى والحكم الدستورى -الى جانب الأستقلال الوطنى- هدفا رئيسيا لها، واعتبرت الهدفين معا كلا واحدا لا يمكن تجزئته، ومن أجل ذلك تواصل نضال شعبنا ضد الحكم الاستبدادى الملكى المؤيد من الاستعمار فيما بعد ثورة 1919، وحتى قيام ثورة يوليو 1952، ولذلك أيدت الجماهير الشعبية تلك الثورة ورحبت بها عندما أعلنت أن اقامة حياة ديمقراطية سليمة، هى أحد الأهداف السته التى قامت لتحقيقها، وبسبب انحراف سلطة الثورة عن هذا الهدف واتجاهها الى فرض الحكم العسكرى الاستبدادى، عبرت الجماهير فى أكثر من مناسبة عن خيبة أملها فى الثورة، ووفقت الطلائع الواعية من الشعب موقف المعارضة لسلطتها.
وحتى اليوم مازالت جماهير شعبنا تعبر عن قناعتها التامة، وتمسكها الحازم بحقها فى اقامة نظام الحكم على أساس ديمقراطى صحيح، وفى انجاز تحول ديمقراطى شامل وعميق فى مختلف نواحى حياتنا، وتعتبر ذلك شرطا جوهريا لصيانة الاستقلاق والمصالح الوطنية، ولتحقيق أى أصلاح جوهرى وحقيقى فى أى مجال من مجالات حياتنا.
* وناضل شعبنا طويلا ضد الاستغلال الاقتصادى والظلم الاجتماعى، ومن أجل العدالة الاجتماعية، ومن أجل توفير الحياة الانسانية الكريمة لأغلبية الساحقة من الكادحين والفقراء، وأعتبر ذلك هو الهدف النهائى لأى اصلاح سياسى أو أقتصادى أو أجتماعى، وهو المحك الحقيقى لنجاح أيه سياسة أو فشلها.
ان المحتوى الحقيقى للأديان، ولكل الدعوات الأخلاقية والانسانية، أنما يرتبط فى المفهوم الشعبى للمصريين، يقيم العدل والانصاف ورفع مستوى معيشه الأغلبية الساحقة من المواطنين، ولا يمكن لجماهير شعبنا أن تتقبل أو أن تؤيد أى سياسة لا تضع تحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة استغلال الانسان للانسان، وحماية الفقراء والضعفاء، على رأس أهدافها.
* وأخيرا فقد ناضل شعبنا طوال تاريخه الحديث، على مدى قرنين من الزمان، للخروج من دائرة التخلف الذى وقعت فيه بلادنا بسبب خضوعها الطويل للاستعمار والسيطرة الأجنبية، والاستبداد والحكم المطلق، وبسبب وقوعها طويلا فريسة للاستغلال، وأستنزاف مواردها لصالح المستغلين الأجانب والمحلين، وما أدى اليه كل ذلك من اهدار لطاقتها وتبديد لمواردها، مما انتهى بها الى الوقوع فى هوة التخلف السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
ان شعبنا قد بذل جهودا طائلة ومتواصلة للخروج من هذا التخلف، كما أن جهودا ملموسة قد بذلت فى فترات مختلفة من تاريخنا الحديث، كما حدث فى عهد محمد على، والخديو اسماعيل، وبعد ثورة 1919، وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وفى عهد الرئيس مبارك، لتحقيق اصلاحات ذات شأن فى مختلف جوانب حياتنا، ولكن هذه الاصلاحات لم تبلغ الحد الذى يخرج بمصر من ائرة التخلف، ويلحقها بركب التقدم، ويرجع ذلك الى عدة أسباب أهمها عدم ارتباط تلك الجهود بالتوجه الجاد الى تحقيق الاصلاح السياسى، ومن ثم عدم ارتباط تلك الجهود بالتحول الديمقراطى الشامل والعميق، وافتقارها الى التخطيط العلمى، والى التكامل والشمول، والى الاستمرارية والاستقرار، وربما يصل بها الى نتائجها الحاسمة، وحتى الآن، ورغم الجهود الكبيرة التى بذلت وتبذل من جانب الدولة فى عهد الرئيس حسنى مبارك لتحقيق التنمية الاقتصادية، فما زالت مصر بعيدة عن تحقيق درجة من التقدم وتكفل لها الخروج من طوق التخلف، وخاصة بمقاييس العصر، وفى ظل المتغيرات الكثيرة التى طرأت على عالمنا المعاصر، ويرجع ذلك الى نفس الأسباب: الأفتقار الى الاصلاح السياسى الديمقراطى، والتخطيط العلمى، والنظرة المتكاملة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق