كتاب رسائل سياسية

يتضمن هذا الكتاب الرسائل السياسية التى كتبها الشاعر محمود توفيق فى مرحلة من حياته فى فترة الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين.

وتتضمن الرسائل السياسية الآتية:





الرسالة الأولــى

رسالة عن الجبهة الوطنية الديموقراطية ودور الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى فى الدعوى إلى إقامتها، 
نص مقال للأستاذ محمود توفيق نشر بجريدة الأهرام يوم 1985/9/14.

نص مقال للأستاذ محمود توفيق

فى السادس من يوليو الماضى -وفى أعقاب ما سمى، بالمسيرة الخضراء، وما اتصل بها من أحداث وما أثاره كل ذلك لدى الكثيرين من احساس بتصاعد مخاطر الفتنة الطائفية والأرهاب المتستر بمسوح الدين -نشر الاستاذ عبد الرحمن الشرقاوى بجريدة الأهرام مقالا بعنوان "لابد من الجبهة".
فى هذا المقال أوضح الاستاذ الشرقاوى رأية فى ظاهرة تصاعد الأرهاب الفكرى والسياسى باسم الدين ومدى ارتباط هذا الأرهاب بمخططات أجنبية خفية وشريرة، وبنشاط العناصر المرتزقة والمأجورة التى تعمل فى خدمة تلك المخططات، وحذر الشرقاوى من الأرتباط الواضح بين ما يرد حدوثه فى مصر من جراء تصعيد الارهاب باسم الدين، وما سبق حدوثه فى ايران وفى لينان، على أيدى مثل هذه القوى والعناصر وماجره ذلك على البلدين، وعلى المنطقة كلها من عواقب.
وانتهى الشرقاوى من ذلك الى توجيه الدعوة الى شعب مصر، ممثلا فى كل القوى الوطنية وكل الأحزاب السياسية، وكل المثقفين ممثلى القوى الشعبية من مختلف الآراء والأتجاهات، الى التضامن فى جبهة وطنية قوية، لانتشال الأمة وانتشال انفسهم وابنائهم من هول الفتنة.
وأضاف الشرقاوى فى بيان أهداف الجبهة، أننا ندعو الى جبهة وطنية صلبة من كل الأحزاب ومن غير المنتمين الى أحزاب، ومن كل الاتجاهات والأفكار والعقائد، لتتفق على طريق واحد تقود الوطن الى الأمن، وتوفير الكفاية لكل المواطنين، ولكفالة العدل، وحماية الحرية، والمصير..
ثم قال: "أنه لا حل لمشاكل الوطن إلا من خلال هذه الجبهة الوطنية، إلا بالأستفادة بكل الآراء والأفكار والطاقات".
______________
نشر هذا المقال بجريدة الأهرام بعددها الصادر فى 1985/9/14 تعليقا على مقالات الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى الداعية الى إقامة الجبهة الوطنية وعلى موقف حزب التجمع من تلك الدعوة.

1- مزيد من الايضاح لطبيعة الجبهة واهدافها

وفى مقال ثان نشر بجريدة الأهرام بتاريخ 1985/7/13 تحت عنوان "لمن شرف المبادرة" عاد الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوى الى تأكيد فكرته وزيادتها ايضاحا، فقرر أنه يوجه دعوته الى كل القوى السياسية والاجتماعية على اختلاف الآراء والأفكار والعقائد، والى كل من يشعر بالمسئولية فى أى موقع الى انشاء الجبهة الوطنية، وان طريق الجبهة هو طريق الخلاص، ولا خلاص فى غير هذا الطريق، ولا حماية للوحدة الوطنية ولمصالح هذا الوطن إلا بإنشاء حصن حصين هو الجبهة.
وقرر الاستاذ الشرقاوى أنه لا يستثنى أصحاب الأتجاهات الدينية من المشاركة فى الجبهة، ثم عاد إلى أهداف الجبهة فزادها بيانا على النحو التالى:
 وأما هدف الجبهة فهو: "الأتفاق على ما هو مشترك، على أرض للقاء تتحصن فيها القوى المختلفة، دفاعا عن حقوق المواطن، وحرياته، وكرامته، ومتقبله، وعن مصير الوطن نفسه".
ثم زاد أهداف هذه الجبهة تفصيلا على النحو التالى:
 "ولا ريب أن كل القوى مهما تختلف، تتفق على حق الوطن فى الأمن والسلام أمام كل الأعداء".
وهى تتفق على وجوب كفالة حق المواطن فى أن ينعم برغد العيش، وبالمسكن الصالح، وفى أن تحافظ الدولة على كرامته، وان تضمن له التعليم المفيد، والثقافة التى تضئ بها النفس وشرق بها العقل، فضلا عن كفالة حقه فى العدل وفى المساواة، وفى الحريات الديمقراطية وأولاها حرية التعبير، على أساس مطمئن من الرعاية الصحية، والاجتماعية، ومن تكافؤ الفرص، ومن ضمان مواصلات مريحة، وخدمات ميسرة، وجو هادئ يتنفس فيه وينتج، ولا تلوثه الضوضاء أو الغازات السامة المتراكمة من عوادم السيارات والموتوسيكلات.
ثم يعمد الاستاذ الشرقاوى الى تأكيد عدد من المبادئ العامة التى تشكل الأساس السياسى والاجتماعى للجبهة كما يلى: 
 "ما من أحد من الأحزاب السياسية أو القوى الاجتماعية يختلف حول وجوب النضال دفاعا عن استقلال الوطن وسلامته وأمنه، أو يختلف حول وجوب العمل الدائب فى كل نهار وليل لتوفير السعادة والعدالة والسكينة والطمأنينة لكل مواطن..".
ما من حزب يدعو الى سيادة طبقة.. أو يبارك استغلال طبقة، ما من حزب يدعو الى تمييز أو تمايز بين طبقات الأمة.. وما من حزب يدعو الى افقار الفقراء.. والى اثراء الأثرياء.. وما من حزب يمكن أن يدعو الى التفرقة أمام القانون فى الحقوق والواجبات".
 "وما من حزب يدعو الى انتهاك حرمات الوطن.. أو الى قهر المواطن.. والى ظلم فئة لحساب فئة،..
 "وما من حزب يدعو الى أن يكون الوطن خاضعا لاحدى القوى الأجنبية.. أو يدعو الى ما ينتهك حريات الوطن"..
 وأخيراً فإن الأستاذ الشرقاوى يلخص فكرته عن الجبهة فى دوافعها وأهدافها بقوله: "الجبهة ليست فى ذاتها هى الهدف أو الغاية، ولكنها الوسيلة الوحيدة الى أنبل غاية، "رفعة الوطن، ورفاهية الوطن".
**      **      **

2- البعد القومى للجبهة الوطنية

لا يكتفى الاستاذ الشرقاوى بما اقترحه أساسا للجبهة الوطنية المصرية، فهو يشير فى النهاية الى المضمون القومى الواجب لهذه الجبهة فيقول:
 "والحديث عن الجبهة الوطنية المصرية يذكرنا بأهمية الجبهة القومية العربية، فما انتهكت حقوق العرب الا منذ تفرقوا، ويسرد الشرقاوى كيف ارتبطت مراحل المؤامرة الاستعمارية الصهيونية على العرب بتمزقهم، وينتهى من ذلك الى القول: "وهكذا ساعد التمزق العربى على نجاح الارهاب الامريكى الاسرائيلى.. فليست الولايات المتحدة وحدها هى التى غرست الارهاب الاسرائيلى فى بلادنا ثم حمته من ادانة مجلس الأمن.. لقد فعلت الادارة الامريكية كل هذا حقا.. ولكنها ما كانت لتستطيع أن تفرض الأرهاب الاسرائيلى وتحمية لو كان العرب جبهة واحدة صلبة".
**         **       **
وهكذا نرى أن عبد الرحمن الشرقاوى يطرح على الجبهة المقترحة كل القضايا والمهام الأساسية فى حياتنا والتى تتدرج من القضية الوطنية ببعدها القومى، الى قضايا الديمقراطية فى جملتها وتفاصيلها الى القضايا الطبقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية برمتها، وأخيرا الى قضايا البيئة وحمايتها، بل ان عبد الرحمن الشرقاوى قد عاد فى مقال له بالأهرام نشر فى 1985/8/24 بعنوان: "أنت لا تنزل الى النهر مرتين" ليستعرض العديد والمزيد من المشكلات المطروحة على الجبهة المقترحة، مثل: التلوث، والقذارة، والضوضاء، والمواصلات، والاسكان، والنظافة، والغذاء، والكساء، وسائر المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الاخلاقية وسلبيات السلوك الاجتماعى، وينوط بالجبهة المقرتحة علاج كل هذه الأدواء مطالبا الجميع بالتكاتف بلا تحزب ولا تعصب للعمل على إيجاد الحلول لمشاكل هذا الشعب.
كيف يوضع برنامج الجبهة؟
ومع كل ما يقترحة الاستاذ الشرقاوى كأهداف للجبهة وكمهام مطروحة عليها، فهو لا يزعم أنه يطرح برنامجا لها، بل يترك وضع هذا البرنامج لقوى الجبهة كلها، ويقول فى ذلك:
 "لابد من أن ينهض أحد الاحزاب السياسية أو ممثلو احدى القوى الاجتماعية لوضع الأهداف الوطنية المشتركة، ودستور العمل".
وبيسأله الأستاذ عبد الستار الطويل فى حوار معه نشر بجريدة السياسى فى 1985/7/28 عن برنامج تلك الجبهة كما يتصوره، فيجيب بقوله:
 "أنا ممتنع تماما عن طرح أى برنامج لها.. أن على كل القوى السياسية أن تجتمع وتطرح هى أفكارها وتصوراتها وتتفق حول ما تتفق عليه ليصبح برنامج الجبهة".
ويفسر موقفه هذا بقوله:
 "أن المشاكل ضارية فتاكة تصيب ابناء الوطن بالاحباط، وما من حزب واحد لدية حل نهائى لهذه المشاكل جيمعا، ولكن تلاقى الافكار، وتحاورها سينتج حلاً شافياً بلا جدال.. ربما كان لدى كل حزب الحل الأمثل لمشكلة ما، ولكن ما من حزب لدية حلول سحرية لكل المشاكل".
* * *

3- الشرقاوى.. والموقف الجبهوى

ان عبد الرحمن الشرقاوى حين يتوجه الى شعبه بهذه الدعوة، لا يقوم بعمل طارئ أو مفاجئ وانما يصدر فى ذلك عن موقف ثابت له معروف عنه للجميع.. وقد عبر عن ذلك فى مقاله الأول بجريدة الأهرام بقوله: "لقد طالما دعوت الى جبهة وطنية صلبة.. فهل جاء الوقت؟"
 ويذكر الجميع للاستاذ الشرقاوى أنه قد انتهج دائما الخط الوطنى، الجبهوى والتوحيدى وانه قد وضع هذا الخط موضع التطبيق فى قيادته لمجلة روز اليوسف فى السبعينات ودعوته المستمرة للحوار والوفاق الوطنى بديلا للصراع العدائى المدمر العقيم، ويذكر الجميع أن الشرقاوى قد دعا لهذا الحوار فى أشد الظروف حرجا وتعقيدا عام 1979، رغم ما لقيه فى سبيل ذلك من عنت وارهاق.
ويذكر الجميع أن الشرقاوى قد انتهج هذا الخط الوطنى الجبهوى والتوحيدى فى رياسته للجنة التضامن المصرية، ولحركة التضامن الدولية، مما احال اللجنة المصرية للتضامن من كيان رمزى محدود، الى كيان وطنى جبهوى، واسع ومحترم.
والشرقاوى بمواقفه هذه قد ساهم أكبر مساهمة فى ارساء خط أساسى لليسار الوطنى فى مصر، هو خط التمسك المخلص والدائم بالموقف الوطنى الجبهوى والتوحيدى.
والى جانب هذا الموقف المبدئى، فان الشرقاوى يستمد موقفه الجبهوى من تراث الحركة الوطنية المصرية، ومن تراث اليسار المصرى وهو يقول فى ذلك:
"هذه الدعوة ليست جديدة، فمخزون الحركة الوطنية المصرية عامر بتجارب اقامة جبهات وطنية منذ أيام سعد زغلول ثم مصطفى النحاس".
ويقـــول:
"ثم ان اليسار المصرى تبنى تلك الدعوة بعد الحرب العالمية الثانية، واثمرت الدعوة تشكيل الجبهة الشهيرة باسم اللجنة الوطنية للطلبة والعمال".
وهو يعتقد، أنه ما من مفكر أو سياسى مخلص يمينيا كان أو يساريا، الا ودعا الى تلاحم وتراص قوى الشعب لمواجهة أية مشاكل جادة يواجهها الوطن.
وهو فى دعوته الدائمة الى الجبهة ليس حالما أو خياليا.. فهو لا يصور أن مجرد ادعوة الى الجبهة أو حتى قيامها سوف ينهى كل الخلافات والتناقضات بين أطرافها بل هو مدرك تماما لطبيعة العلاقات الجدلية التى تنشأ داخل هذه الجبهة فيقول:
 "ان الدعوة الى الجبهة لا تنفى وجود الخلافات، فالجبهات تقوم على مبدئين: الوحدة والصراع.. أى الاتفاق والخلاف معا".
والشرقاوى -يصدر فى دعوته الحالية الى الجبهة- عن تقدير واقعى وسليم للوضع السياسى الراهن فى البلاد، وان الحكومة الحالية وحزبها لا يستطيعان وحدهما أن يحلا المشكلات الكبيرة، والعديدة والمعقدة التى تواجهها البلاد، فيقول فى ذلك:
 "والحزب الوطنى لا يستطيع أن يزعم أنه يمثل كل ما فى مصر من عقائد، ومن فئات وطبقات وآراء وأفكار.. ولو كان للحزب الوطنى من النشاط ما يجب أن يكون لحزب يتمتع بالاغلبية البرلمانية لما استطاعت الدعوات المشبوهة أن تدمر عقول بعض الناس باسم الدين".
وهو يشير الى احتياج البلاد الى جانب الجبهة الوطنية الى حكومة ائتلافية فيقول:
 "على أن الحكومة الائتلافية ليست بالصيغة التى نفرغ منها، فربما كانت هى التعبير الحى الفعال على الجبهة الوطنية".
* * *

4- لماذا رفض حزب التجمع الجبهة؟

ولم يكن عبد الرحمن الشرقاوى -اذن- فى دعوته الى أقامة الجبهة الوطنية وفى تصوره لأسس قيام هذه الجبهة وأهدافها معبرا عن ذاته فقط، وانما كان معبرا فى نفس الوقت عن افكار ومواقف اليسار المصرى بصفة عامة، أو على وجه التحديد، عن افكار ومواقف التيار الغالب فى هذا اليسار، والذى نسمية "اليسار الوطنى" وهو التيار الأكثر وعيا ونضجا وشعورا بالمسئولية، وارتباط بحياة وتراث ومصالح ومشاعر الشعب المصرى.
لذلك فقد كان طبيعيا أن يبدى هذا التيار ارتياحه وتأييده لدعوة الاستاذ الشرقاوى الى اقامة الجبهة الوطنية وللأسس والأهداف التى اقترحها لهذه الجبهة، معتبرا أن الاستاذ الشرقاوى انما كان فى ذلك نائبا عن اليسار المصرى، ومتحدثا بلسانه.
وقد جاءت ردود الفعل الايجابية لهذه المقالات فى أوساط اليسار المصرى، ولدى الغالبية العظمى من ممثليه معبرة عن هذا الموقف، وظهر ذلك فى بعض الكتابات التى نشرت فى الصحف فى حينها ولاشك فى أن الفترة القريبة القادمة، سوف تشهد المزيد من مظاهر التعبير عن هذا الموقف.
غير أنه فى مواجهة هذا الموقف الايجابى للتيار الغالب داخل اليسار المصرى وهو تيار اليسار الوطنى كان هناك موقف آخر للتيار الأخر داخل هذا اليسار وهو الذى نسمية "اليسار المغامر" وبقدر ما يتسم به اليسار الوطنى من روح ايجابية ومنهج جبهوى توحيدى بقدر ما يتسم اليسار المغامر بالسلبية، وبالمواقف الانعزالية والانقسامية.