5- من أجل العدالة الاجتماعية


القضية الراعبة من القضايا الأساسية للعمل الوطنى فى بلادنا هى قضية العدالة الاجتماعية.
لقد عانى شعبنا -شأنه فى ذلك شأن غيره من الشعوب- طوال تاريخه القديم والوسيط، من وطأة الاستغلال الاقتصادى والظلم الاجتماعى الناشئين عن سوء توزيع الثورة وسوء توزيع الدخل القومى، وأختلاف النظام الاجتماعى، وذلك بسبب التفاوت الهائل فى الثروات والدخول بين قلة قوية قادرة، وبين الأغلبية العريضة المسحوقة من جماهير الشعب العامل، من المعدمين وأشباه المعدمين.
وكانت عوامل الاستبداد والحكم المطلق، كما كانت عوامل الاستعمار الأجنبى وما ينطوى عليه من استغلال واستنزاف، تضاعفان من وطأة الاستغلال الاقتصادى والظلم الاجتماعى الواقعين على عاتق جماهير الشعب العامل، وينطق تاريخنا المدون، كما ينطق تراثنا الشعبى، بمدى البؤس والتعاسة اللذين تحملهما شعبنا طوال عشرات القرون، غير أنه حتى فى أحلك ساعات الظلم والظلام، فان شعبنا لم يفقد أبدا شوقه الى العدالة، وتطلعه الدائم الى أشراق فجرها.
لقد حملت الثورة الديمقراطية فى بلاد الغرب الى شعوب تلك البلاد من الاصلاحات السياسية والاجتماعية ما ساعد على تحقيق الكثير من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية لجماهيرها العاملة، وفتح أمامها أبواب النضال الديمقراطى من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وأدى ذلك كله الى تحقيق تغييرات جذرية فى ظروف العمل والحياة، وفى مستويات المعيشة لهذه الشعوب، غير أن الثورة الديمقراطية التى قامت فى الغرب منذ بضعة قرون، قد تأخرت وتعثرت فى الشرق حتى الآن، مما ابقى على عوامل الاستبداد والتخلف والظلم الاقتصادى والاجتماعى السائدة منذ القدم، فى مختلف بلاد الشرق بدرجات متفاوته.
ولقد كانت مصر من أسبق بلاد الشرق تأثيرا بحركة الثورة الديمقراطية الغربية، فقد أخذت رياح هذه الثورة تهب على مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر، حامله معها بذور حركة واسعة للتنوير والتغيير السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وبادئه بذلك تاريخ مصر الحديث، ولكن هذه الحركة قد تعثرت طويلا بسبب الاستبداد والحكم المطلق من ناحية، ثم بسبب التدخل والعدوان والاحتلال الاستعمارى الأجنبى لمصر من ناحية أخرى.
ومنذ بدء تاريخنا الحديث، ومع بداية حركة التنوير والتغيير الديمقراطى التى قادها مفكرونا ومثقفونا الأفذاذ أمثال رفاعة الطهطاوى، ثم جمال الدين الأفغانى، أخذت تتبلور عوامل حركة جديدة للنضال من أجل العدالة الاجتماعية، ولانصاف المقهورين وتوفير حياة أفضل لجماهير الشعب، ثم أخذت هذه الحركة بعد ذلك تمتزج بحركة النضال الوطنى ضد الاستعمار الأجنبى، كما جرى على يد مصطفى كامل ومحمد فريد.
وهكذا، فمنذ عهد بعيد أخذ النضال من أجل العدالة الاجتماعية يرتبط بصورة متزايدة بالنضال الوطنى من جهة، وبالنضال الديمقراطى من جهة أخرى، ويكسب النضال الوطنى الديمقراطى مزيدا من القوة والعمق والشمول، مما كا يعد بانتصار هذا النضال انتصارا كاملا منذ عهد بعيد.
ولكن هذا الاتجاه للربط بين حركة النضال الاجتماعى من ناحية، وحركة النضال الوطنى الديمقراطى من ناحية أخرى لم يتواصل فى كل المراحل، فرغم عظمة ثورة سنة 1919 المصرية، وشموخها كمثل تاريخى للثورة الوطنية الديمقراطية التى تشمل شعبا بأسرة، الا أن نقطة ضعفها الأساسية كانت تتمثل فى أن قيادتها لم تفطن، أو لم تشأ أن تفطن، الى أهمية الربط بين الأهداف الوطنية والديمقراطية للثورة، وبين أهداف النضال من أجل العدالة الاجتماعية، وكان ذلك من أهم الأسباب فى تعثر هذه الثورة وانتكاسها قبل ان تحقق أهدافها الكاملة.
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية دخلت الثورة المصرية فى مرحلة جديدة، تميزت بتصاعد حركة النضال الوطنى والديمقراطى من جهة، وبتصاعد النضال من أجل العدالة الاجتماعية من جهة أخرى، كما تميزت بتزايد الاتجاه للربط بين الوجوه المتعددة للنضال الوطنى.
وقد انعكس كل ذلك على ثورة 23 يوليو وعلى اتجاه قيادتها، كما يبدو واضحا فى الأهداف السته لحركة الضباط الأحرار، وفى المسار العملى لهذه الثورة بعد ذلك، ورغم أنه كان لهذه الثورة أيضا نقاط ضعفها النابعة أساسا من طابعها العسكرى، ومن افتقارها الى الايمان الحقيقى بأهمية الديمقراطية السياسية، ألا أنه مما لا شك فيه أنها استطاعت أن تتصاعد بحركة النضال الوطنى والقومى الى مستوى رائد بمختلف المقاييس، وانها استطاعت فى نفس الوقت أن تحقق انعطافا حاسما فى مجال التغير الاجتماعى، وان تقدم فى هذا الشأن انجازات بارزة لا يمكن لمنصف ان يتجاهلها، ولولا قصورها فى مجال التغيير الديمقراطى لتضاعف أثر كل هذه الانجازات الوطنية والاجتماعية، ولما تعرضت هذه الانجازات لما تعرضت له من انتكاسات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق