1- نحو تحديد أهداف العمل الوطنى

لدينا جميعا -نحن المصريين- احساس قوى بأن بلادنا تستقبل مرحلة جديدة من مراحل تاريخها الحديث، مرحلة تتسم بمزيد من وضوح الرؤية، والاستعداد للعمل الجاد المكثف لحل مشكلات البلاد، ولبناء حاضرها ومستقبلها على أسس واضحة قوية، ولدينا جميعا -نحن المصريين- شعور عام بالتفاؤل والثقة فى المستقبل، ويستطيع المرء أن يلمس هذا الاحساس لدى الغالبية العظمى من المواطنين، ابتداء من كتابنا ومفكرينا، وانتهاء برجل الشارع العادى.
ولاشك أن ما أعلن عنه الرئيس حسنى مبارك من اتجاهات، وما اتخذه من خطوات منذ بداية عهده -رغم قصر المدة وصعوبات الموقف -كان له أثره الكبير والمباشر فى بعث هذا الشعور بالثقة والتفاؤل، والأمر هنا لا يتصل بمدى تقييمنا لما تم اتخاذه من خطوات أو حتى لما جرى الاعلان عنه من اتجاهات، بقدر ما يتصل بمدى ادراكنا لدلالة هذه الخطوات وتلك الاتجاهات، وما تنبئ عنه من تطورات فى المستقبل، فما كان لشعبنا بذكائه المعروف وحساسيته المرهفة وخبرته الطويلة بالقادة والحكام، الا أن يقرأ ما بين السطور، وأن يلتقط على الفور ملامح الصدق والاستقامة والجدية والانصاف التى بشر بها العهد الجديد، والتى تشكل الاطار الأخلاقى لسياسة الرئيس مبارك، ولمنهجة فى الحكم وفى الحياة، ومن شأن هذا كله أن يبعث لدى المصريين احساسهم الحالى بالتفاؤل، وبالثقة فى المستقبل.
* * *
غير ان الأمر لا يقتصر على ثقة المصريين برئيسهم الجديد، وعلى املهم فيه، بل أن هناك العديد من الأسباب والعوامل الأخرى فى الوضع المصرى الراهن، مما يتشكل اساسا موضوعيا كافيا لهذا الاحساس الوطنى العام، بضرورة، وبامكان، بدء مرحلة جديدة من تاريخنا الحديث، واقامة حياة جديدة على أرضنا.
* * *
هنالك أولا، هذا الاحساس العام الواقعى بحقيقة أوضاعنا، وبمدى تعد وتفاقم الصعوبات والمشكلات التى تواجهها البلاد فى مختلف نواحى حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما أصبح يمثل تهديدا خطيرا لمدى قدرتنا على الاستمرار، وعلى الحياة، لقد طلب الرئيس مبارك فتح باب الحوار الوطنى حول سبعة من أخطر وأضخم مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية، ولكن هناك غيرها العديد والعديد من المشكلات الأخرى، الصعبة والخطيرة، فى مختلف نواحى حياتنا، ولا نظن أننا فى حاجة الى ضرب الأمثلة.
ان لدينا جميعا الاحساس والوعى بأن هذه المشكلات، فى تعددها، وفى تفاقهما، وفى تداخلها، قد بلغت حدا لا تجدى معه الحلول الجزئية أو الشكلية أو السطحية، وبأنه لابد لمواجهتها من حلول جذرية حاسمة وجريئة تعالج الأسس وتصحح المسار، وهو ما يعنى حركة شاملة للتصحيح واعادة البناء، تقوم على انبعاث وطنى جديد.
ان الأمور لم تعد تعنى حكومة بعينها أو حزبا بعينه فحسب، ولكنها باتت تعنى بصورة مباشرة كل القوى الوطنية، وكل الأحزاب والاتجاهات، بل كل مواطن على أرض مصر، وقد أشار الرئيس حسنى مبارك الى هذا المعنى وأكده عدة مرات، ولعل احساسنا العام المتزايد بهذه الحقائق، يكون البداية الصحيحة للمرحلة الجديدة من مراحل العمل الوطنى.
* * *
وهنالك ثانيا، هذا الاحساس العام بأن مصر قد تجاوزت مرحلة التجارب، وبأن هذه التجارب جميعا قد كشفت عن نتائجها العملية، وعن الدروس المستفادة منها.
لقد مرت مصر فى المراحل السابقة والمتعاقبة من تاريخها الحديث، سواء قبل ثورة يوليو أو بعدها، وسواء فى عهد الرئيس عبد الناصر أو فى عهد الرئيس السادات، بالعديد من التجارب والسياسات فى كل أوجه العمل الوطنى، وبالنسبة لكل القضايا تقريبا، جربت مصر أكثر من سياسة، وسارت فى أكثر من اتجاه، ويمكن القول بأننا قد جربنا البدائل المتناقضة فى مختلف المراحل، وفى مختلف المجالات.
ورغم أننا لسنا من أنصار فكرة "التجربة والخطأ" من حيث المبدأ، فأننا نعتقد أنه اذا كان لبعض التجارب التى مررنا بها ما كان يبررها، فان الكثير منها لم تكن له ضرورة على الاطلاق، بل كان منذ البداية واضح الخطأ، لأنه كان متعارضا مع معطيات العلم ومعطيات الواقع، ومع الخبرة التاريخية.
لقد جربت مصر فى حياتها الداخلية الديموقراطية النسبية والحريات النسبية، كما جربت الاستبداد، والحكم العسكرى، والبوليس، والواجهات الديموقراطية الزائفة، جربت تعدد الأحزاب، والغاء الأحزاب، ونظام الحزب الواحد، ونظام الأحزاب المحدودة المقيدة، جربت الحكم الدستورى، والحكم بلا دستور، والحكم بدساتير مؤقته أو مفروضة أو منقوصة، جربت حرية الصحافة، وتقييد الصحافة بقيود ادارية أو برقابة ظاهرة أو مستترة.
وقد جربت مصر فى حياتها الاقتصادية سياسات واتجاهات عديدة ومتناقضة، جربت الاقطاع وحرية رأس المال، وحرية العمل لرأس المال الأجنبى، وحرية التجارة الداخلية والخارجية بلا قيود، كما جربت تحديد الملكية الزرايعة، وتحديد علاقة مالك الأرض والمستأجر، ومالك المكسن وساكنه، وسياسة التأميم، وتقييد حركة رأس المال، ورأسمالية الدولة، نوعا من التطبيق الاشتراكى، وبناء قطاع عام يعتمد عليه، وسياسة التخطيط والتوجيه الاقتصادى والسيطرة على التجارة الخارجية وقسما من التجارة الداخلية.. إلخ، ثم عادت فجربت سياسة الانتاج الاقتصادى، وفتحت المجال أمام أس المال الأجنبى، وأمام القطاع الخاص، وقللت من دور الدولة ومن تدخلها فى الحياة الاقتصادية الى أدنى درجة مستطاعة.. إلخ.
وفى السياسة الخارجية، جربت مصر سياسة عدم الانحياز، وسياسة التقارب مع الغرب، وسياسة الارتباط بالغرب، وسياسة التقارب مع الشرق.
وفى العلاقة مع العرب، جربت مصر العمل باستقلال تام عن العرب، أو الاهتمام المحدود بالعرب، وجربت الحماس الشديد للوحدة العربية، والانغماس الشديد فى مشكلات العالم العربى، كما جربت القطيعة التامة أو شبة التامة مع العرب، والعزلة الكاملة أو شبة الكاملة عنهم.
وهكذا، ففى كل مجال تعددت وتناقضت التجارب، وليس فى مقدور مصر أن تستمر على هذا المنوال، فمثل هذا التذبذب والتناقض والارتباك، لا يمكن أن يسمح لأى عمل بأن يثمر، ولا لأى بناء بأن يكتمل، ولابد أن تكون نتائجه مزيدا من التبديد لجهودنا، والتفاقم لمشكلاتنا.
وعلى أى حال، فقد اسفرت كل هذه التجارب عن نتائجها العملية، ولم يعد أمر الاختيار بين اتجاه أو آخر، فى أى مجال من المجالات، يعتمد على وجهات النظر الفكرية أو الايديولوجية، بقدر ما يعتمد على استعراض الحقائق الواقعية والنتائج العملية لهذه التجارب.
لقد آن الأوان لمصر أن تنتقل نهائيا من مرحلة التجارب، الى مرحلة الاختيار العلمى الواعى لاتجاهات عملها فى كل الميادين، وهناك احساس عام بأن هذا الأمر ممكن وميسور، ولكن بشرط الالتزام بالموضوعية وحسن النية.
ولعل هذا هو السبب فيما طلبة الرئيس حسنى مبارك فى اجتماعه الأول بمجلس الوزراء بعد اعادة تشكيلة "بأن نحدد مسارنا ونرسم خطانا على أساس عملى -فالخطوة الأولى هى الاتفاق على أهداف قومية عليا لا خلاف عليها، ويلى ذلك تحديد الأولويات، ثم وضع الخطط الكفيلة بتحقيق الأهداف".
ولعل ذلك أيضا هو السبب فى دعوته لعقد المؤتمر الاقتصادى الموسع لبحث الأوضاع الاقتصادية واقتراح السياسات المثلى للنهوض بها، ثم دعوته بعد ذلك لعقد مؤتمر مماثل لبحث مشكلة الاسكان، ثم لحديثه بعد ذلك عن الأعداد لوضع خطة خمسية جديدة للبناء الاقتصادى والاجتماعى، بعد سنوات طويلة من انقطاع أى حديث عن الخطط والتخطيط.
* * * 
وهنالك ثالثا، هذا الاحساس المتزايد لدى مختلف القوى الوطنية بضرورة البعد عن التطرف فى الرأى أو فى الممارسات العملية، والاتجاه بدلا من ذلك الى مزيد من الالتزام بالاعتدال والموضوعية، ولعل ذلك أن يكون أهم درس من الدروس المستفادة من تجاربنا العديدة الماضية.
هنالك أحساس عام متزايد، بأن أفضل الحلول لمشاكلنا، هو ما يمكن أن نتفق عليه جميعا، أو على الأقل هو ما يمكن أن تتفق عليه الأغلبية الساحقة من القوى الوطنية، ومن المواطنين، ومن أجل ذلك يتعين علينا دائما أن نبحث عن الأرضية المشتركة التى يمكن أن نقف عليها معا.
وهذا الاحساس، يمثل تغييرا صحيا شديد الأهمية فى المناخ السياسى لبلادنا، وعلينا جميعا أن نعمل على رعايته وتنميته.
والواقع أنه لا يوجد رأى واحد صحيح بكل حذافيره وتفاصيلة، أو خاطئ بكل حذافيره وتفاصيلة، ويكفى لصاحب الرأى أن يعتقد أن رأيه صحيح بصفة عامة، أو أنه يحتوى على قدر كاف من الصحة، كذلك فأنه لا توجد نظرية أو مذهب سياسى أو اجتماعى جامع مانع، بمعنى أنه يحتوى وحده على الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شئ غير الحقيقة، أو على الباطل، كل الباطل، ولا شئ غير الباطل، فالحياة بكل غناها وتنوعها وتطورها وتعقيدها، لا يمكن اخضاعها أو صبها فى اطار فكرى أو مذهبى أيا كان، ومن ثم فانه لا يوجد فرد أو جماعة من الأفراد يمكنه أو يمكنهم ان يحتكروا الحكمة والصواب فى كل شئ، وفى كل وقت، بينما يعمه باقى الناس دائما وأبدا فى الضلال.
ان الايمان المتزايد بهذه الحقائق البسيطة والجوهرية، من شأنه أن يحدونا جميعا -على اختلاف مواقعنا الفكرية- الى مزيد من الاعتدال، والموضوعية، والتواضع، وهو ما يساعدنا جميعا على الحياة فى مناخ سياسى أكثر صحة ونقاء، وهو شرط ضرورى للتوصل الى أفضل الحلول لمشاكلنا، وللتعاون الخلاق فى تطبيق هذه الحلول، وذلك أيضا هو طريقنا الى الحياة الديموقراطية الصحيحة، والى الوحدة الوطنية الحقة، وعلينا جميعا أن ندرك أن كل تطرف فى الرأى أو فى الممارسة، لابد أن يثير تطرفا أو تطرفات مضادة، وبهذا تتشتت الجهود، وتتبدد وحدة الشعب.
وليست هذه دعوة لأن يتنازل أى منا عن آرائه ووجهات نظره، بل على العكس، فان تعدد الآراء ووجهات النظر أمر لا غنى عنه لاثراء العمل الوطنى، والممارسة الديموقراطية، وهو الطريق الى تحقيق الوحدة الوطنية على مستوى أعمق وأرقى، فكل شئ ينبغى أن يكون قابلا للنقاش والبحث على ضوء كل وجهات النظر، ولكن هذا النقاش ينبغى أن يجرى بروح البحث عن الاتفاق.
وحتى لا نتحول الى حالمين، فعلينا أن ندرك أن كل ذلك انما ييستلزم من كل الأطراف قدرا كبيرا من الموضوعية، وحسن النية، والتجرد من المصلحة الذاتية، وليس من السهل أن يتوافر كل ذلك لدى كل الناس، فسوف يوجد دائما من يغلبون آرائهم الشخصية، أو مصالحهم الذاتية، على المصلحة العامة، وعلى مقتضيات الوحدة الوطنية، ومثل هؤلاء تتعين مواجهتهم برأى الشعب، أو بقوة القانون.
* * *
هناك اذن معطيات عديدة فى الوضع المصرى الراهن، تدعو الى التفاؤل والثقة بالمستقبل، رغم كل المصاعب، ورغم كل المشكلات، وهناك ما يبرر احساسنا العام بأن بلادنا مقبلة على مرحلة جديدة من مراحل تاريخها الحديث، مرحلة يسود فيها مناخ سياسى صحى، واحساس متزايد بضرورات الوحدة الوطنية، مرحلة من العمل الجماعى الجاد المنظم، والطويل المدى لحل مشكلات البلاد، وارساء القواعد السليمة لمستقبل أفضل.
وافضل ما يمكن البدء به فى هذا السبيل هو ما طالب به الرئيس حسنى مبارك من "تحديد مسارنا ورسم خطانا على اساس علمى"، والاتفاق على أهداف قومية عليا لا خلاف عليها.. إلخ".
وبكلمات أخرى، فان الظروف مواتيه الآن لوضع برنامج عام موحد للعمل الوطنى، يكون بمثابة دستور أساسى لهذا العمل فى مختلف المجالات، وعلى أساس هذا البرنامج العام للعمل الوطنى نستطيع أن نضع الخطط والبرامج التفصيلية لعملنا فى مختلف المجالات.
* * *
والبرنامج المطلوب هو "برنامج سياسى"، لأنه يقوم على تجدد الأهداف العامة للعمل الوطنى فى مختلف مجالات العمل السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وعلى تحديد الخيارات الأساسية للاتجاه السياسى الذى نسلكه فى عملنا من أجل تحقيق هذه الأهداف، وهذا البرنامج العام، ذو الطبيعة السياسية، سيكون بمثابة دستور أساسى نستند اليه وتسترشد به كل برامجنا وخططنا التفصيلية، وتعمل لتحقيقة كل تشريعاتنا وقوانيننا وتنظيماتنا السياسية والتنفيذية.
وينبغى أن يكون هذا البرنامج الوطنى العام صالحا للتطبيق خلال فترة طويلة من الزمن، نقدرها بعشرين عاما على لاأقل، وهى الفترة الكافية لحل المشكلات الرئيسية الكبيرة التى نواجهها الآن، والأحداث تغيير جذرى حاسم فى الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى بلادنا، بما يحقق نهضة حاسمة فى كل نواحى حياتنا، وبما يوفر قاعدة مادية ومعنوية راسخة لتطورها المستقل فى المستقبل.
وهذا البرنامج لابد أن يقوم على ادراك كامل للمعطيات والحقائق الأساسية لواقعنا المصرى، وللواقع العربى، وللواقع العالمى المعاصر، كما لابد أن يقوم على استخلاص موضوعى ونزية لدروس تجاربنا المختلفة فى المراحل السابقة، وعلى الاستفادة من مختلف التجارب والخبرات ووجهات النظر المتوفرة لشعبنا، بحيث يمثل الأرضية المشتركة، التى يمكن ان نلتقى عليها جميعا، ونعمل من خلالها جميعا، وبهذا نضمن لعملنا أهم شروط نجاحه، وهى المشاركة الشعبية الواسعة فى مختلف مراحل تخطيطه وتنفيذه، وبهذا أيضا نوفر الأطار الموضوعى لوحدتنا الوطنية، وللسلام الاجتماعى فى بلادنا.
* * *
والبرنامج العام المطلوب ينبغى أن يمثل فى تحديدة ثم فى تنفيذه، انجازا تاريخيا، فهذا البرنامج ينبغى أن يضمن تحقيق الأهداف الرئيسية التى ناضل شعبنا من أجلها خلال تاريخة الحديث كله، والتى حالت ظروف هذا النضال المحلية والعالمية دون انجازها انجازا كاملا حتى الآن.
ان القضايا والأهداف الأساسية لنضال شعبنا طوال تاريخه الحديث هى أهداف وقضايا واضحه ومعروفة لا تحتمل اللبس أو الجدال.
فخلال تاريخنا الحديث كله، خاض شعبنا ويخوض نضالا لا هوادة فيه من أجل التحرر الوطنى، من أجل نيل استقلاله الوطنى تاره، ومن أجل استرداد هذا الاستقلال تارة أخرى، ومن أجل صيانته والحفاظ عليه تارة ثالثة.
وخلال تاريخنا الحديث كله، وشعبنا يناضل للخلاص من الاستبداد والحكم المطلق، ومن أجل حكم ديموقراطى، وحياة حرة على أرضه.
وخلال تاريخنا الحديث كله، وشعبنا يناضل للخروج من دائرة التخلف الذى فرضته عليه العصور الوسطى، وعهود الاستعمار والتبعية والاستبداد، ولتحقيق التقدم السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى، بما يلحقه بركب العصر، وبما يفتح أمامه طريق التطور فى المستقبل.
وخلال تاريخنا الحديث كله، ناضل شعبنا ويناضل للخلاص من الظلم الاجتماعى والاستغلال الاقتصادى الذى فرضته عليه الاستعمار والاستغلال والاستبداد، ولاقامة عدالة اجتماعية تكفل الحياة الكريمة لكل انسان على أرض مصر.
تلك هى القضايا الأربعة لنضال شعبنا على امتداد تاريخه الحديث، والتى بذلت من أجلها أجيالنا المتعاقبة الجهد والدم والأرواح، وتلك هى الأهداف التى ناضل من أجلها عمر مكرم، وقامت من أجلها الثورة العرابي، والتى ناضل فى سبيلها مصطفى كامل ومحمد فريد، وقامت من أجلها ثورة 19 وثورة يوليو الخالدتان، وخلال هذه النضالات جميعا أحرز شعبنا العديد من النتصارات، ومنى بالعديد من الهزائم وخيبات الأمل، ذلك أن قوى الاستعمار والاستبداد والاستغلال المحلية والعالمية قد بذلت دائما كل ما فى وسعها لاجهاض هذا النضال وللحيلولة دون انتصاره الكامل.
وفى مجرى النضال المتواصل حقق شعبنا الكثير من المكاسب، ولكن الانجاز الكامل والنهائى لأهدافنا التاريخية لم يتحقق حتى الآن، وبقيت مهمة هذا الانجاز الكامل والنهائى لهذه الأهداف التاريخية، لتقع على عاتق الجيل الحالى من كهول مصر وشبابها، وعلى عاتق هذا الجيل تقع مهمة الانجاز الكامل والنهائى لهذه الأهداف الأربعة فى أقصر وقت مستطاع، وتسليم البلاد لأجيال القادمة فى حالة نوعية أفضل بكثير، وهذا هو المحتوى الموضوعى والتاريخى، لكل عملنا الوطنى فى المرحلة القادمة.
ولاشك أن أمامنا الكثير من العقبات والصعوبات فى طريقنا لتحقيق هذه المهمة التاريخية، وعلينا أن نتوقعها وأن نتأهب لمواجهتها، ولكن لاشك أيضا أن لدينا الكثير من معطيات وعناصر النجاح فى هذا النضال التاريخى، وأننا لا نبدأ نضالنا من فراغ.
لدينا كل الانجازات وثمار الجهود والنضالات السابقة التى خضناها وخاضها أباؤنا وأجدادنا من قبل، ولدينا الكثير من خبرة ودروس التجارب السابقة، ولدينا روح جديدة ووعى جديد بدروس ماضينا وواقع حاضرنا وآمال مستقبلنا، ولدينا شعب مناضل خلاق لا يبخل بجهد ولا يضن بتضحية.
واخيرا وليس آخرا، فلدينا قائد جديد نذر نفسه فى مستهل عهده لخدمة وطمنه وشعبه، واستطاع بصدقه واخلاصه ونزاهته أن يؤلف القلوب وان يبعث الأمل والثقة فى المستقبل.
* * *

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق